السخرية تعبير عن غضب المجتمع
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم الاجتماع
تعد النكات والدعابات أسلوباً يلجأ إليه الأفراد للتعبير عن الإحباط والضغوطات التي يتعرضون لها في ظل مجتمعات تعاني من الأزمات والصراع ومن خلال المزاح يشعرون بالراحة الآنية من الإحباط وحالة البؤس الاجتماعي وللتكيف مع الواقع المعاش.
تسهم الدعابات في دمج مجموعات كثيرة من الأفراد، فتغدوا تعبيرات جماعية لشكواهم وهمومهم، فهي بذلك تعكس آراء المجتمع تجاه القضايا المهمة على اختلاف أنواعها، من هنا يمكن اعتبار تلك الدعابات التي يتناقلها الأصدقاء بصوت منخفض أقرب إلى الهمس كالرسائل السرية الأكثر موثوقية من آرائهم ومواقفهم المصرح عنها بشكل رسمي أو مباشر أو ضمن استطلاعات الرأي العام (1).
وفي تحليل النكات ومحاولة فهمها فهي هياكل فكرية وأسلوب يقوم على التعارضات والتناقضات القائمة، لأنها المولدة للمواقف الساخرة والنكات.
قد تحمل النكتة أو الدعابة أكثر من معنى بحسب دوافع الراوي لها، وتصاغ بالإشارة إلى بيئات ثقافية واجتماعية ونفسية محددة.
يمكن تفسير انتشار النكات وترافقها مع فترات الكوارث والحوادث المأساوية، بالقول أن الناس يمزحون حول كل شيء وهذه طريقتهم بالتعبير عن أوجاعهم كالقول "شر البلية ما يضحك".
فالدعابات ليست حقيقية إنما هي وسيلة تساعد الأفراد لإبعاد أنفسهم وعزلها عن المأساة والتعامل مع القلق وتخطي الرعب المرافق لها، وقد تعود أيضاً لإرضاء بعض الدوافع المظلمة في أعماق أنفسهم من خلال التحدث عن أمور لا توصف وتتعدى الحدود المرسومة (2).
يزداد انتشار الدعابات في المجتمعات التي تعاني من ظروف قمعية قاسية وصعبة، فهي تعد مزيجاً من الغضب والخوف والعداء والدفاع عن النفس، ويلجأ لها الأفراد للتخفيف من غضبهم وإحباطهم والهروب من واقع القيود الخانقة في كل مكان كتلك القيود المفروضة على حرية التعبير، وأيضا للتمرد على تسلسل السلطة والنظام.
يمكن اعتبار الدعابات أيضاً إحدى وسائل الاحتجاج السلمي ضد النظام السياسي والاجتماعي القمعي، ويشكل بعضها منفذ للتعبير السياسي وتحديدا في فترات التوتر والمراحل الانتقالية للمجتمعات، حيث يسود القلق وعدم اليقين بمستقبل البلاد، فيخلق المزاح والضحك في تلك المرحلة إحساساً بالراحة والرفاهية، وقد ينظر لها من ناحية أخرى على أنها وسائل يخدع الأفراد أنفسهم بها لقبول حقائق غير سارة (3).
ويستفيد الأقوياء وأصحاب القرار في المجتمع من انتشار الدعابات والمزاح للتلاعب بالأفراد وضمان بقاء الاحتجاجات والصراعات ضمن حدود معينة، فيعتبرون هذه الحالة كصمام أمان تبقي على حالة التوازن في المجتمع وتحافظ عليه، لذلك تغيب الرقابة الصارمة لمثل هذه الأمور وذلك ليس علامة على الديمقراطية بل للاستفادة من هذه الحالة السائدة بما يخدم مصالحهم وأمنهم، بذلك تلعب النكات والفكاهة وظيفة اجتماعية قد تغيب عن ذهن مؤلفيها.
يجدر الإشارة إلى أن هناك من يعول على أسلوب الاحتجاج هذا ويعتبر المزاح والدعابة جزءًا مهماً من حركة المقاومة اللاعنفية والتي تساهم في كشف ممارسات أصحاب القرار والسلطة في المجتمع، إلا أن هذا الأسلوب يحتاج إلى التطوير بشكل أكبر، وعلى الرغم من سلميته إلا أنه في كثير من الأحيان يربك أصحاب السلطة ويدفعهم لاستخدام القوة المفرطة والعنف لمواجهته، وهذا ما يفضح حقيقتهم، لأن الذي يلجأ إلى القوة والقسوة في الدفاع عن نفسه أمام الدعابات والنكات يفقد الجانب الأساسي للديمقراطية والمتمثل في حرية الإنسان وحرية التعبير (1).
المصادر: